الأحد، 7 مايو 2017

غفوة على كتف الطين.





~

حسناً، تأتي إلى العالم، محملاً بكل شيء. بشكل مسبق تم تشكيلك، حتى أنه في بعض الحالات يتم اختيار جنسك قبل أن تتكون، تأتي محملاً بجينات والديك، تأتي محملاً بأفكارهم عن هذا العالم، محملاً بكل نظرياتهم الخاصة التي تكونت بفعل السنين التي عاشوها، بمفاهيمهم الخاصة عن الألم والرضا، الحب والكراهية، الراحة والقلق، محملاً بخوفهم الذي في معظم الأحيان تكوّن في دواخلهم بلا معنى، محملاً بنظرتهم لكل ما يحيط بهم من أشياء، نظرتهم تجاه البشر والجمادات، وطريقة تعاملهم مع الطبيعة، مع الأرض حتى، محملاً بكل ما لا ترغب، ولا تملك فرصة واحدة ممهدة لتصبح ما تريد، إنك ما أرادوه، إنك ما عجزوا عن تحقيقه في أنفسهم وحياتهم، إنك نسخة مشوهة من كائنين قرروا أنهم مستعدين لإنجاب كائن إضافي للحياة. من أنت ؟ مالذي تريده وتتمناه ؟ ومالذي تراك عليه في أيامك القادمة ؟ مالذي أنت عليه فعلاً، ومالذي لا تحبه، ما هي مبادئك وحدودك وما هو الصوت الحقيقي الذي ينبعث من نقطة سحيقة في داخلك، نقطة تخصك وحدك، وصوت يلمس قلبك وحده، مالذي أتى بك من البداية إلى هذا المكان، إذا لم يكن لك دور في تشكيل حياتك وفق ما تشعر وترغب وتريد ؟ هذا جانب بسيط جداً يا عزيزي مما سيواجهك حين تقرر أن تكتشف من أنت ، فهل أنت مستعد لهذه العاصفة الآتية بكل قوتها لتخترق كل ما أنت فيه من هدوء واستقرار مزعوم!
الأمر ليس سهلاً أبداً، ولا تتوقع منه أن يكون سهلاً. إنه زلزال سيدمر كل ثوابتك، ويمحو في طريقه كل ما عرفته، وما ظننته حقيقة. زلزال لن يشعر بهزته سواك، في قلبك ستحدث تلك التصدعات التي لن تكون قادراً ولو بنسبة بسيطة أن تشرحها لأحد، ستعيش في غربة طويلة وربما أبدية. لأنك قررت أن تعرف .. تعرف نفسك. وتعرف العالم بشكلٍ حقيقي. ويجب أن تكون قادراً على هكذا مواجهة، صعبة وجارحة، ولكنها في النهاية .. ستقدم لك ما لم تقدمه أي تجربة مسبقة عشتها وفق قناعات أُملِيت عليك .. ستكون مريحة تماماً ومُرضية إذا كنت جاهزاً للتعايش مع مراحلها وتقبّل نتائجها.
ستكون مضطراً لمضاعفة حواسك، والانصات جيداً لصوتك الداخلي، وستضطر كذلك للسماح بمرور أسئلة جديدة إلى ذهنك، أسئلة بلا أجوبة مبدئية، أسئلة تتوالد في الثانية الواحدة لتنجب لك عشرات الأسئلة، ودون أية إجابات أيضاً! ولكن الأهم أن تحب ذلك. يجب يا عزيزي أن تحب مرور تلك الأسئلة، وتفتح عقلك وقلبك لكل الإجابات المحتملة، حتى وإن كانت إجابات مخيفة، وتتعارض بشكلٍ كامل مع كل ما تم تلقينك إياه منذ أن كنت هناك .. ملتصقاً في رحم والدتك، حيث دائرة الأمان والغذاء والراحة. آمن بحريتك في التفكير، وإن أخذك هذا الايمان إلى أكثر الأماكن عتمة! انتزع حريتك من كل ما حولك، من الأرض والبشر والإله. استند إلى ذاك الاتساع الذي تشعر به في داخلك، ولا تخشاه! لا تخف من الطريق الذي يجرّك إلى الأمام، وكن متيقظاً لكونه يجرك دائماً إلى الأمام، لا تسمح لشيء أن يسحبك إلى الخلف. فالخوف كائن أسود يقتات على روحك، يزرعها بكل الأفكار التي تبقيها ملتصقة بالأرض، الخوف قادر أن يكسر أجنحتك إن كانت هشة. قادر أن يضحك عليك طوال الوقت ويرسل إلى ذهنك كل تلك الصور التي تكون فيها ضعيفاً ومنبوذاً، وحيداً وبلا رفقة، شارداً في الليل بهالات واضحة تحت عينيك، وأرق يحفر في روحك، لا تجفل من وحدتك، آوي إليها ففيها نجاتك، وإن كان في هذا عزاءك، فدعني أخبرك بأن في وحدتك فقط ستجد الإجابات، كل الإجابات.
تباعد بنفسك عن أي مصدر بدأ منه تلقينك، وانظر في مصادر لم تُعرها انتباهك من قبل، استمع للكون من خلال الناس، افتح صدرك للاختلاف، تقبلك للاختلاف هو بداية انتقالك لمرحلة أعلى من الإنسانية.
هل ترى كل أؤلئك البشر الذين قيل لك بأنهم أعدائك ؟ إنهم يا عزيزي ليسوا بأعداء، إنما العدو الأول هو من أخبرك بذلك، وبنى في روحك أساس الانغلاق والكراهية. فتجنّب تأثيره واكسر هذا السور الذي بُني حولك دون انتباه منك أو استيعاب.
في الخارج، يكمن العالم .. فاخطو نحوه ولا تخف الاغتراب الذي ستشعره في خطواتك الأولى، ستعتاد الطريق وتألف الحرية، سيكون المضي قدماً هواية جديدة تملأ روحك بكل ما افتقدته في أيامك الماضية، ستعرف للتجربة طعم لذيذ، يترك أثره دائماً في عينيك حين تفتحها صباحاً لأن هناك شيء ما في انتظارك ! هل تعي حجم ما تفقد ! إنك تفقد العالم بجلوسك داخل ذاتك ! ولكن إياك أن تنسى بعد هذا ذاتك وتألف الخارج .. إنها معادلة تحتاج الكثير الكثير من الموازنة لتصل إلى حلها الصحيح الذي يؤّمن لك إيجابية التجربة !


السبت، 29 أبريل 2017

ثم، تخطفنا أيادٍ لا تشبهنا ولا نعرفها، نطمئن في البداية ونقول، لمَ لا ؟ فلنجرب .. فلنذهب برفقة هذه الأيادي إلى حيث تجرنا، ما المخيف في التجربة ؟ فلنذهب .. وفي منتصف الطريق تماماً، تخنقنا الغربة، ونوّد العودة بسلام إلى حيث كنا، نرغب بكل بساطة أن نعود من حيث التقطتنا هذه الغرائب، ونوّد فوق هذا أن نجد كل ما تركنا على حاله. وكأن بإمكاننا إلغاء التجربة ونتائجها وقبل هذا دوافعها ووبداياتها! 
العودة ليست مستحيلة، ولكن محو التجربة هو المستحيل ذاته.
وحيث أن لا نضج دون تجربة، فها أنا هنا .. هاربة من جنون وتسارع كل وسائل التواصل الإجتماعي البائسة، عائدة إلى متسّع قديم، أحاول أن أبقى هادئة في مكانٍ آمن. في مدونة تحتوي عقلي وما تبقى من رغبتي في مشاركة ما لدّي مع العالم.. فأهلاً بالعالم!